29 أبريل 2025

رسالة من السید البروجردي، الکاشف فی حقیقه التوحيد بلا حدود، بمناسبة وفاة البابا فرنسيس



تحية للإنسانية: 

في رحاب اللاهوت بلا حدود، حيث الأديان والمذاهب لا تحتل مکانة خاصة، نُجِلُّ الشخصيات التي تضع الحقيقة نصب أعينها و اولویة فوق کل شیء.. وفي هذا السياق، تتعالى مكانة قداسة البابا فرنسيس كشخصية جديرة بالاحترام والتكريم و‌التأمل، إذ لم يكتفِ بقيادة الكنيسة الكاثوليكية العالمية فحسب، بل تجاوز ذلك ليبرز كرمز إنساني عالمي، حظي بمحبة الشعوب، وكرّس جهوده لدعم المستضعفين والفئات المهمشة على مستوى العالم، مسجلاً مواقف إنسانية خالدة.  

تُعتبر جرأة قداسة البابا فرنسيس في كشف حقائق لطالما تحاشاها نظراؤه من رجال الدين - كقضايا الجنة وجهنم وآدم وحواء - ظاهرةً تستحق الدراسة والتقدير. هذا المنهج الجريء ينبغي أن يصير نموذجًا يحتذى به من قبل جميع العلماء والزعماء الدينيين عبر الأديان والمذاهب، حيث يتوجب عليهم امتلاك الشجاعة الفكرية لنقد التراث الديني الخاص بهم، وإبراز مواطن القصور والخلل في المنظومة العقائدية لديانتهم، وذلك في إطار مسؤوليتهم التوعوية تجاه الرأي العام.

وهذا ما يؤكده بكل موضوعية أحد أبرز المراجع الدينية في النجف الأشرف بقوله: "إن هناك ألف سؤال وإشكالية لم يقدم الإسلام إجابات شافية عنها حتى الآن".

ينبغي لزعماء الدين المعاصرين أن يلتزموا - على نفس المنوال - بالشفافية الفكرية والنزاهة العملية، إذ أن تقاعسهم عن ذلك سيعرّضهم حتمًا لحكم التاريخ القاسي الذي لا يُغتفر. 

ومع ذلك، فإننا نقيّم اليوم رحيل البابا من هذا المنظور، ونطرح هذه الأسئلة الجوهرية: إذا كان المسيح قد أقام الموتى وشفى البرص، فلماذا تخلى عن ممثله الأرضي بين أتباع المسيحية، ليواجه الموت وسط المعاناة والمرض؟ بينما كان من المفترض - بصفته نائبًا للمسيح - أن يعمّر مئة عام على الأقل ليقود المجتمع المسيحي العالمي؟ ولماذا في عصر أصبحت فيه البشرية أكثر حاجةً من أي وقت مضى للروحانيات، لا تظهر أي معجزة سماوية؟

تنبثق الإشكالية الجوهرية لهذا التناقض من الإله المُرسِل للأنبياء في المنظور المسيحي. فإذا كانت المعجزات الحسية للسيد المسيح - وفق النصوص الإنجيلية - تشكل أداةً جذبٍ جماهيريًا في السياق التاريخي السابق، فإن المنطق اللاهوتي يقتضي استمرارية هذا النسق المعجزي في العصر الحديث، بحيث يتعدى تأثيرها نطاق الشفاء الفردي لممثله الارضی، ليشمل قدرةً كونيةً على استقطاب عموم البشر - بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية - نحو العقيدة المسيحية. إلا أن الواقع التاريخي يُثبت تعذر تحقق هذه الفرضية.  

من الواضح أنه لا يمكن إرجاع السبب إلى عدم اكتراث عيسى المسيح - روح الله - بأتباعه ولا سيما ممثليه بين المسيحيين، بل السبب يكمن في إله عيسى المسيح ذاته الذي لا يبدي اهتمامًا بأتباعه، ولا يميز بينهم وبين غير المتدينين، ولا يدعمهم أو يؤيدهم في الأزمات والظروف الصعبة. فخلال الأزمة الأوكرانية، لم يَظهر أيُّ تدخلٍ إلهيٍ لحماية الطائفة المسيحية، مما أدى إلى إبادتهم بشكلٍ منهجيٍ. وتكمن المفارقة الجوهرية هنا في تعارض هذه الوقائع مع العقيدة المسيحية السائدة في المنطقة، بأن المسيح حي وسيرجع قريباً لقيادة البشرية. ومع ذلك، لم يصلهم أي عون من السماء في ساعاتهم الحالكة.

في ظلّ هذا العصر المتقدّم، حيث الحاجة إلى الروحانيات أشدّ من أيّ وقت مضى، فإنّ الصراحة والصدق والشجاعة في نقد وإعادة النظر في المعتقدات الدينية تستحقّ الإشادة والتقدير، وينبغي أن تكون نموذجاً يُحتذى به من قبل جميع العلماء ورجال الدين وقادة المؤسسات الدينية في كلّ المذاهب والأديان، بحيث يمتلكون الجرأة على نقد معتقداتهم الدينية، ويوضحون أوجه القصور وعدم الجدوى في هذه المعتقدات لتنوير الرأي العام. 

وبلا شكّ، فإنّ التفكير النقدي وإعادة النظر في المعتقدات الدينية يمثّلان دليلاً على حرية الفكر والشجاعة الفكرية. أمّا الخوف من النقد وفرض الرقابة الذاتية، فسوف يُسفر عن عواقب تاريخية مأساوية واتهامات خطيرة، لأنّ أيّ تجنّب لإعادة النظر في ظلّ الحقائق الراهنة قد يؤدّي إلى الخداع واستغلال إيمان الناس. 

في الخاتمة، غادرنا البابا فرنسيس، لكن الأسئلة الجوهرية ظلت قائمة. لعل التاريخ، يوماً ما، سيكون أكثر رحمة - ليس بواسطة المؤسسات الدينية، بل بشجاعة الأفراد الأحرار وإنسانيتهم.


السید البروجردی، الکاشف فی حقیقة التوحید بلا حدود

تحت الإقامة الجبریة- طهران-ایران

أبریل 2025

ليست هناك تعليقات: